الانتقال الكبير

شهدت السنوات الخمس والعشرون الأولى من هذا القرن، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، انتقالاً كبيراً للدولة الحديثة في مواصلة بناء المؤسسات والإدارة، وتحولاتٍ اقتصاديةً واجتماعية وثقافية كبيرة؛ كما هي الحال في انتقال المجتمع الأردني نحو الحداثة وبناء الثروات وتحسين نوعية الحياة؛ فكانت سنوات الازدهار والبناء وسنوات المنعة في مواجهة تحديات صعبة. وبالتوازي، حافظت الدولة على استمرارية القيم والتقاليد التي تأسست عليها، كما حرصت على التجديد والانفتاح على العالم والعصر الجديدَين.

لقد شكّلت المملكة الأردنية الرابعة استمراريةً تاريخية لعهود الملوك الهاشميين الذين حافظوا على الوصل التاريخي فوق الأرض الأردنية على مدى أكثر من مئة عام، مع استمرار وتسارع التطوير والتحديث.

منح نهجُ جلالة الملك عبدالله الثاني البعدَ الوطني الأردني جُلَّ اهتمامه، وهو نهج أردني بامتياز، ركّز على تحديث الدولة الأردنية وصمودها، ووظّف الانفتاح على العالم والمحيط العربي والإقليمي لهذا الهدف، وسعى إلى الاعتماد على الذات وصيانة الاستقلال الوطني والمنعة الاقتصادية أمام الاهتزازات الإقليمية والعالمية؛ الأمر الذي جعل خطابَ الهوية الوطنية الأردنية يتبوأ مكانة بارزة فيه.

في 11 نيسان 2021 احتفل الأردن بمئوية الدولة الأردنية، وفي أجواء هذه المناسبة وضعَ جلالة الملك عبدالله الثاني البلادَ أمام مرحلة جديدة، حينما أعلن عن مشروع تحديث الدولة الأردنية في مئويتها الثانية، داعياً الأردنيين والأردنيات إلى التطلع إلى الأمام والأخذ بزمام المبادرة، وتحديداً الشباب الذين يعوّل عليهم في رسم ملامح الدولة الأردنية الحديثة في الربع الثاني من هذا القرن، وهذا ما عبّر عنه الملك بقوله: "وإذ أرى أن المرحلة المقبلة تستدعي ضخّ دماء جديدة لتنفيذ التحديث، فإنني أدعو جميع مؤسسات الدولة والقيادات لدعم الشباب والنساء والأخذ بيدهم لتعزيز دورهم على الساحة السياسية، فعلاً لا قولاً، فالمستقبل لهم، وعلينا أن نفسح الطريق أمامهم، وعهدي لهم ألّا نسمح باغتيال أحلامهم في التحديث والتطوير".

إنّ المسار الذي أطلقه الملك هو ترجمةٌ حقيقية للأفكار والرؤى التي وردت في الأوراق النقاشية الملكية؛ ما يؤكد النهجَ المتدرج في التطوير والتحديث، المتمثل في تحديث الدولة ومؤسساتها السياسية والإدارية وخياراتها الاقتصادية، فقد وجّه الملك بالبدء بثلاثة مسارات؛ سياسية، واقتصادية، وإدارية.

على العهد؛ يتطلّع الأردنيون مع قيادتهم لسنوات العقد القادم بتفاؤل وثقة وهم يواصلون تحديث دولتهم كما تصوّرها جلالة الملك؛ ديمقراطية قائمة على البرلمانات الحزبية البرامجية أساسها الكفاءة والتنافس الوطني.

على العهد؛ يتطلّع الأردنيون مع قيادتهم لمرحلة جديدة من تحديث الاقتصاد الوطني، والسعي نحو المزيد من الاعتماد على الذات، وتحويل رؤية التحديث الاقتصادي إلى برامج تنفيذية على الأرض، وتعظيم الموارد الوطنية وفي مقدمتها الموارد البشرية بالتعليم والتدريب ورفع الكفاءة، والانتقال إلى المشاريع الوطنية الكبيرة في النقل والطاقة والمياه والتكنولوجيا التي تعزز مصادر قوة الدولة والمجتمع.

على العهد؛ يتطلّع الأردنيون مع قيادتهم إلى هذا العقد وقد استطاعوا استكمال تحديث الإدارة العامة الأردنية والبناء على إرثها العريق، بما يكفل جودة التشريعات وشمولها، والمزيد من الحوكمة، وتحسين الخدمات العامة ونوعية الحياة، والتحول الرقمي للخدمات الحكومية.

على العهد؛ سيبقى جلالة الملك عبدالله الثاني كما هو دوماً، صوت الأردنيين والأردنيات، الضامن للحرية والعدالة والنزاهة والشفافية، والمدافع عن قضايا الوطن والأمة المصيرية وعن تراثنا وقيمنا وصورة الإسلام الخالد، السائر على نهج الآباء والأجداد، الأقرب للجميع، الحريص على قوة الأردن وازدهاره ومنعته، والقوة الدافعة للشباب الأردني وللأجيال القادمة.

وإذ يتطلع الأردنيون لعقد جديد بقيادة الملك عبدالله الثاني يحمل في طياته تحولات تاريخيّة في مختلف المجالات، فإنهم يدركون مسيرة وطنهم كانت على مر الزمان قصة نجاح في مواجهة التحديات التي لطالما خرج منها الأردن في كل مرة أكثر تصميماً على مواصلة البناء والتحديث واغتنام الفرص والمهارة في اجتياز الأزمات وجعلها نقطةَ انطلاق للمستقبل.