خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة

١٩ أيلول ٢٠٢٣

خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة

19 أيلول 2023
نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكية
(مترجم عن الإنجليزية)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

السيد الرئيس،
السيد الأمين العام،
أصحاب الفخامة،

عندما تفوق الكوارث الوصف، فإننا نلتفت إلى الإحصائيات المروعة.

هذا العام، يواجه أكثر من 345 مليون شخص حول العالم خطر انعدام الأمن الغذائي أو الجوع بشكل يومي.

ومن بين الفئات الأكثر عرضة لهذا الخطر، 108 ملايين لاجئ من الذين نزحوا قسرا من بيوتهم وتركوا الحياة التي اعتادوا عليها.

يشكل الأطفال أربعين بالمئة من هؤلاء اللاجئين، أكثر الفئات عرضة للخطر.

ومع ذلك، لا يمكن لهذه الأرقام أن تعبر عن حجم المأساة أو الفشل.

اللاجئون هم إخوتنا وأخواتنا. إنهم يتطلعون لبلداننا لتساعدهم في إنهاء الأزمات التي طردتهم من أوطانهم.

منهم الأمهات والآباء والأجداد، الذين اضطروا إلى الهرب في رحلات محفوفة بالمخاطر لإنقاذ أسرهم.

منهم شباب لديهم أحلام واعدة، وأطفال صغار يستحقون فرصة تحقيق أحلامهم الكبيرة.

إنهم يعتمدون على المجتمع الدولي ليتمكنوا من تحمل هذه الحياة الصعبة، وتقدم العديد من وكالات الأمم المتحدة خدمات حيوية للمساعدة في تلبية هذه الاحتياجات.

ولكن خلال الأشهر الماضية، نقلت هذه الوكالات، واحدة تلو الأخرى، أخبارا صعبة حول اضطرارها لقطع هذه المساعدات جراء النقص الحاد في التمويل الدولي.

هل هذا ما وصلنا إليه؟ هل سيقف المجتمع الدولي مكتوف اليدين، ويترك أسر اللاجئين تجد نفسها مجبرة على إرسال أطفالها إلى العمل بدل الدراسة؟

وفي الأردن، حيث يشكل اللاجئون أكثر من ثلث سكاننا البالغ عددهم 11 مليون نسمة، أدى تخفيض الدعم بالفعل إلى إلقاء حياة مئات الآلاف من اللاجئين في دوامة من الخطر وعدم اليقين.

لا يمكن أن يبقى تأثير نقص هذا الدعم الإنساني ضمن بلد أو منطقة معينة فقط، فالخوف والعوز دوما يتسببان بزيادة كبيرة في عدد اللاجئين الذين يتوجهون إلى أوروبا وخارجها، في رحلات كثيرا ما يكون مصيرها المأساة.


أصدقائي،
نحن الأردنيون جادون في القيام بواجبنا تجاه المحتاجين، ونبذل كل ما في وسعنا لتأمين حياة كريمة للاجئين.

يشكل السوريون تحت 18 عاما ما يقرب نصف اللاجئين السوريين الذين نستضيفهم، والبالغ عددهم حوالي 1.4 مليون سوري. وبالنسبة للكثيرين منهم، الأردن هو البلد الوحيد الذي عرفوه على الإطلاق، فقد ولد أكثر من 230 ألف طفل سوري في الأردن منذ عام 2011.

نحن نشاركهم موارد بلدنا الثمينة لمساعدتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية من طعام وطاقة ومياه، فنجد بلدنا، أحد أكثر الدول شحا في المياه في العالم، يواجه طلبا متزايدا بمستويات غير عادية على هذا المورد الثمين.

ونحن نواجه هذه الضغوطات في وقت تضرب فيه أزمة أخرى منطقتنا وهي التغير المناخي، وما يصاحبها من موجات حر مدمرة وجفاف وفيضانات.

ومن أجل مواجهة عبء اللاجئين، حرصنا بعناية على إدارة مواردنا المحدودة والدعم الأساسي من المجتمع الدولي، فالمسؤولية في التعامل مع اللاجئين ما زالت تقع على عاتق الجميع، لأن العالم لا يملك ترف التهرب من مسؤوليته، ليترك خلفه جيلا ضائعا.

لكن اليوم، تجاوزت قدرة الأردن على تقديم الخدمات الضرورية للاجئين حدودها.

إن مستقبل اللاجئين السوريين في بلدهم، وليس في البلدان المستضيفة. ولكن، وإلى أن يتمكنوا من العودة إلى ديارهم، علينا جميعا أن نفعل الصواب تجاههم.

والحقيقة أن اللاجئين بعيدون كل البعد عن العودة حاليا. بل على العكس من ذلك، فمن المرجح أن يغادر المزيد من السوريين بلادهم مع استمرار الأزمة. ولن يكون لدى الأردن القدرة ولا الموارد اللازمة لاستضافة المزيد منهم ورعايتهم.

يجب علينا إيجاد حل سياسي يتوافق مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254. ويوفر نهج الخطوة بخطوة طريقا إلى الأمام، فهذا النهج الذي اقترحه الأردن كأساس للتعامل مع الحكومة السورية، وبالتنسيق مع الأمم المتحدة، يضع خارطة طريق لحل الأزمة تدريجيا والتعامل مع جميع عواقبها.

وحتى ذلك الحين، سنحمي بلدنا من أية تهديدات مستقبلية جراء هذه الأزمة، تمس أمننا الوطني.


أصدقائي،
يمثل الأردن نموذجا لما يواجه منطقتنا بأكملها من ظروف. وعلى الرغم من الإمكانات الهائلة التي تتمتع بها شعوبنا، فإن الأزمات المتكررة قد أعاقت التقدم في تحقيق المزيد من التنمية والازدهار، إذ إن منطقتنا نقطة محورية تتلاقى فيها غالبية التحديات العالمية الأكثر إلحاحا.

كيف سيكون رد فعل عالمنا؟

هل سنجتمع في تضامن عالمي للوصول إلى جذور المشكلة، وحل الصراعات والأزمات التي تدمر الحياة والأمل؟

هل سنعمل ككيان واحد لإعادة بناء الثقة المفقودة في العمل الدولي، ومساعدة المحتاجين؟


أصدقائي،
ستستمر المعاناة في منطقتنا إلى أن يساعد العالم في إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وحل القضية المركزية في الشرق الأوسط.

لا يمكن لأي بناء للأمن والتنمية الإقليميين أن يثبت أساساته فوق الرماد المحترق لهذا الصراع.

لكن بعد مرور سبعة عقود ونصف، لا تزال نيران الصراع مشتعلة.

إلى أين نحن سائرون؟

إن استمرت الضبابية تحيط بمستقبل الفلسطينيين، سيكون من المستحيل الاتفاق على حل سياسي لهذا الصراع.

يعيش خمسة ملايين فلسطيني تحت الاحتلال، بلا حقوق مدنية، ولا حرية في التنقل، ولا قرار لهم في إدارة شؤون حياتهم.

ومع ذلك، فإن كل قرارات الأمم المتحدة منذ بداية هذا الصراع تعترف بالحقوق المتساوية للشعب الفلسطيني بمستقبل ينعم بالسلام والكرامة والأمل. هذا هو جوهر حل الدولتين، السبيل الوحيد نحو السلام الشامل والدائم.

نحن نرى الإسرائيليين ينخرطون في التعبير عن هويتهم الوطنية والدفاع عنها، في الوقت الذي يحرم فيه الفلسطينيون من ممارسة الحق ذاته في التعبير عن هويتهم الوطنية وتحقيقها. إن المتطلب الأساسي لهذا الحق هو قيام دولتهم المستقلة والقابلة للحياة على خطوط الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، لتعيش بأمن وسلام وازدهار إلى جانب إسرائيل.

لقد تسبب التأخير في تحقيق العدل والسلام باشتعال دوامات لا تنتهي من العنف. ويعد عام 2023 الأكثر عنفا ودموية بالنسبة للفلسطينيين خلال الخمسة عشر سنة الماضية.

كيف يمكن للناس أن يثقوا بالعدالة العالمية بينما يستمر بناء المستوطنات ومصادرة الأراضي وتدمير البيوت؟ أين التضامن الدولي المطلوب ليعطي قرارات الأمم المتحدة المصداقية بالنسبة لمن يحتاج مساعدتنا؟

ما زالت القدس بؤرة للقلق والاهتمام الدوليين. وبموجب الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، يواصل الأردن التزامه بالمحافظة على هوية المدينة المقدسة.

لكن حماية القدس كمدينة للإيمان والسلام لأتباع الإسلام والمسيحية واليهودية، مسؤولية تقع على عاتقنا جميعا.

وعلينا أيضا ألا نترك اللاجئين الفلسطينيين فريسة لقوى اليأس، فهناك حاجة طارئة للتمويل المستدام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وهي الوكالة الأممية التي تقدم خدمات إغاثية وتعليمية وصحية حيوية لملايين اللاجئين الفلسطينيين، وهي ضرورية لحماية العائلات، ولضمان استقرار المجتمعات، ولتهيئة الشباب ليقودوا حياة منتجة. علينا حماية الشباب الفلسطينيين من المتطرفين الذين يستغلون إحباطهم ويأسهم، وذلك عبر ضمان استمرار انخراطهم في المدارس التي ترفع راية الأمم المتحدة، وإلا فسيكون البديل رايات الإرهاب والكراهية والتطرف.


أصدقائي،
نلتقي هنا كشركاء للتصدي للتحديات التي تواجهنا، ومن أجل بناء مستقبل أفضل.

نتحدث هنا من أجل مصلحة شعوبنا. نتحدث من أجل العائلات والأجيال القادمة. نتحدث من أجل ضحايا النزاعات والتهجير والجوع، والكوارث التي يسببها التغير المناخي، وغيرها.

إنهم ليسوا مجرد إحصاءات وأرقام. إنهم إخوتنا وأخواتنا في الإنسانية وشركاؤنا في عالمنا. ولا مجال أمامنا إلا أن نعيد بناء الثقة وأن نعمل في تضامن، لنتمكن من صناعة المستقبل الذي تطمح به وتستحقه شعوبنا.

لا يمكننا أن نسمح بضياع جيل بأكمله ونحن في موقع المسؤولية.

شكرا جزيلا.