الإرهابيون يخونون قيمنا
في هذا العام، قتل وجرح أردنيون، وأمريكيون أيضا، في تفجيرات إرهابية مدمرة في الرياض وبغداد. كان بين القتلى يزن عباسي، صبي في الخامسة من العمر وشقيقته ابنة العاشرة، زينة. ترد إلى ذهني صور هؤلاء الضحايا وأسرهم الثكلى كلما قرأت مزاعم الإرهابيين بأنهم يتحدثون باسم العرب والمسلمين. في حقيقة الأمر، كان شعبنا بين أول من عانوا من أولئك الذين يحضون على ثقافة الإرهاب ويسعون إلى السلطة عن طريق العنف. إن ادعاءهم بأن الإسلام يبرر أعمالهم هو ببساطة كذبة مكشوفة.
العملية الشريرة التي وقعت في الحادي عشر من أيلول، قبل عامين، تركت آثارا على العالم بأسره، لكن أكبر أثر لها كان هو الفكرة الزائفة بأن الإسلام يشجع على العنف. ووفقا لاستطلاع أجراه أخيرا مركز بيو للأبحاث حول الناس والصحافة، فإن هذا ما يعتقده عدد متزايد من الأميركيين وهذا سوء فهم يهدد بتمزيق أصدقاء السلام، عربا وأميركيين، في الوقت الذي نحن فيه بأمس الحاجة إلى التكاتف.
الحقيقة تتمثل في أن الإسلام، منذ أيامه الأولى، يدعو أتباعه لأن ينتهجوا حياة سلام وتسامح. إن كلمة الإسلام ذاتها تتجذر في كلمة "السلام"، وهو أبعد ما يكون عن إجازة قتل الأبرياء، فعقيدتنا تحظر هذا. وكلمة الجهاد التي تترجم في أغلب الأحيان على أنها "حرب مقدسة" تعني في حقيقة الأمر "الكفاح". وقد علمنا النبي محمد، صلوات الله عليه، أن أكبر حرب مقدسة (هي جهاد النفس) تلك الحرب التي نخوضها داخل أنفسنا، ضد ضعفنا وإخفاقاتنا.
عندما يرتكب المتطرفون الفظائع فإنهم أيضا يقترفون العنف إزاء التعاليم الإسلامية. كان الجنود المسلمون يتلقون تعليمات صارمة لحماية المدنيين، قبل وقت طويل من صدور مواثيق جنيف حول الحرب في القرن العشرين، وحتى في هذه الأيام يتعلم طلاب المدارس الخطبة الشهيرة لأول خليفة للرسول عليه السلام، أبو بكر الصديق الذي يأمر بالاستقامة، ويحظر قتل الأبرياء من أي عقيدة كانت ويحظر التدمير المتعمد:
"لا تخونوا ولا تغلوا, ولا تغدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلا صغيرا ولا شيخا كبيرا ولا امرأة ولا تعقروا نخلا ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة..وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له".
ليس صحيحا أيضا أن الإسلام يمنع أتباعه من الانخراط بالعالم الحديث بشكل بناء. فالقرآن الكريم والحديث الشريف يؤيدان عقيدة ديناميكية تقوم على البحث والتفسير. منذ الأيام الأولى، دُعي المؤمنون إلى مناقشة مبادىء عقيدتهم وتعليلها وتطبيقها ضمن الواقع الذي يعيشون فيه.
لقد انبثق العصر الذهبي للإسلام، بدءا بالقرن التاسع للميلاد، نتيجة عمل مفكرين مسلمين مستنيرين. كانوا روادا لتقليد عقلاني ليبرالي وحضارة مزدهرة متعددة الأعراق. أرسى العلماء المسلمون معالم بارزة في الطب وعلم الفلك والعلوم والعدالة الاجتماعية، وهي أفكار هيأت الطريق أمام النهضة الأوروبية. وفرت المدن العربية العظيمة ملاذا وأفكارا جديدة للرحالة من كل أنحاء العالم وعمل العلماء المسلمون والمسيحيون واليهود، مثل الفيلسوف اليهودي الكبير موسى بن ميمون، في الدواوين الملكية معا.
في القرن الرابع عشر جاء نوع جديد من الاعتقاد إلى السلطة، وهو نوع أغلق الباب أمام الحوار والاستكشاف. غير أن تقاليد الإسلام الإيجابية التي تعود إلى العهود الأولى توفر مسارا آخر، مسارا يحترم التنوع ويرتاد أفكارا جديدة ويمكن الناس في أجزاء المجتمع. والأردن بوصفه بلدا إسلاميا للقرن الحادي والعشرين، يستوحي من هذه القيم، ونحن نرسم مجتمعا مدنيا منفتحا وديمقراطيا وحرا.
في العام 2003 بلغ عدد المسلمين في العالم أكثر من مليار نسمة، وأغلبيتهم العظمى محبة للسلام. ومنذ أيلول 2001، بدأت هذه الأغلبية الصامتة المعتدلة من المسلمين تجاهر برأيها حول الإسلام الحقيقي، والأردن يتولى قدم السبق، فهذا بالنسبة لنا مسؤولية تاريخية، فأرضنا، المشرق، تشكل الموطن العريق لكل ديانات التوحيد العظيمة الثلاث(اليهودية والمسيحية والإسلام). ونحن هنا في موطن العقيدة مصممون على نشر ما وعد به الإسلام من تسامح وعدالة وتقدم، في بلدنا ولنكون نموذجا لحفظ السلام والإصلاح الديمقراطي في منطقتنا.
من المهم أيضا أن يُفهم الإسلام الحقيقي في الغرب. فنحن نمر في لحظة حاسمة من التاريخ، في وقت حافل بالإمكانات الحقيقية للتقدم، في الحرب على الإرهاب، في عملية السلام في الشرق الأوسط، في إعادة بناء العراق. فأعداء السلام لا يتمنون شيئا أفضل من ثني عزيمتنا وتقسيمنا، وعلينا ألا نسمح بحدوث هذا.
هذا الأسبوع سأكون في واشنطن للتحدث مع الرئيس بوش والكونغرس حول أهدافنا المشتركة من أجل السلام، وكيفية تحقيقها. يرتبط بلدانا، الأردن والولايات المتحدة بتحالف استراتيجي بالغ الأهمية، يسهم في نجاح الحرب العالمية على الإرهاب، وقد عملنا معا عن كثب، في الشرق الأوسط، لتحقيق السلام في أرض الإيمان، لإنهاء الصراع والاحتلال اللذين سببا كثيرا من المعاناة للفلسطينيين والإسرائيليين معا. لقد وافق المجتمع الدولي على خريطة الطريق للسلام، وهي توفر للإسرائيليين ضمانات أمنية جماعية من جميع العرب، معاهدة سلام وعلاقات طبيعية مع الدول العربية ونهاية للصراع. وهي توفر للفلسطينيين نهاية للاحتلال، ودولة مستقلة قابلة للحياة بحلول عام 2005 والوعد بالعيش شعبا حرا مزدهرا.
يمكن لخريطة الطريق أن تأخذنا إلى سلام دائم، سلام يشكل متطلبا أساسيا للتنمية والإصلاح في كل أنحاء الشرق الأوسط، سلام ينهي اليأس المتقرح الذي يتغذى منه الإرهاب والكراهية. لكن النجاح يستدعي التزامنا الكامل ومواردنا، والأكثر أهمية يستدعي وحدتنا.
إن الناس الوحيدين الذين يكسبون عندما يشعر الأميركيون أنهم منفصلون عن أصدقائهم العرب والمسلمين، هم المتطرفون والكارهون. علينا ألا نسمح لأعداء السلام هؤلاء أن يرتكبوا عنفا أكثر مما ارتكبوا، فنحن الآن أحوج من أي وقت مضى إلى التكاتف حلفاء وشركاء وأصدقاء.