الصوت الحقيقي للإسلام
صادف هذا الأسبوع نهاية شهر رمضان المبارك حيث يأخذ المسلمون في كل أرجاء العالم وقتا للتأمل في قيم عقيدتنا: التعاطف والنوايا الطيبة واحترام الآخرين، فهذه هي المثل الجوهرية في الإسلام، وهي العقيدة التي تخدمها أسرتي الهاشمية، سليلة النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، على مدى أربعين جيلا,(مسافة) ويدعونا ديننا الإسلامي للعيش والعمل من اجل العدالة وتعزيز التسامح، ونحن في كل يوم نتشارك في النعمة الإلهية بقولنا "السلام عليكم".
هذا هو الصوت الحقيقي للإسلام، لكنه ليس الصوت الذي يسمعه الأميركيون دائما، فهم يسمعون بدلا منه، الكراهية التي تطلقها جماعات تسمى دون وجه حق بالأصوليين الإسلاميين، ففي الحقيقة لا يوجد أي شيء إسلامي أصولي عند هؤلاء المتطرفين، فهم استبداديون يشكلون جزءا من سلسلة المتطرفين من عقائد مختلفة يسعون إلى السلطة بالترهيب والعنف وسفك الدماء.
يرفض المتطرفون وبشكل عنيف، الاعتدال الأصيل للإسلام وانفتاحه، وهي مزايا جعلت من العالم الإسلامي الموطن التاريخي للتنوع والتعلم، كما أن عنفهم لا يشكل "جهادا" أو حربا مقدسة، فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، يعلمنا بان الجهاد الأكبر ليس ضد الآخرين أبدا بل هو ضد إخفاقات المرء نفسه، أي هو جهاد النفس، وكذلك، وفي خطبة شهيرة، أوصى صحابي الرسول وأول خليفة له أبو بكر الصديق، جنوده المسلمين بما يلي: "لا تخونوا,ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلا صغيرا أو شيخا كبيرا ولا امرأة ولا تعقروا نخلا وتحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا إلا لمأكلة وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له."
هذه الكلمات هي جزء من التربية الدينية الأساسية التي يتلقاها طلبة المدارس العرب والمسلمون، وأنا اعرف ذلك لأنني كنت واحدا منهم، لذلك، عندما يستهدف إرهابيو اليوم الأبرياء، فإنهم يقدمون دليلا مباشرا على أجندتهم الحقيقية، سياسة السلطة وليس الدين، وفي الحقيقة فانه قبل وقت طويل من بدء ما يسمى بالإرهابيين الإسلاميين لهجماتهم على الغرب، كانوا يستهدفون أقرانهم المسلمين، وكان هدفهم هو إسكات المعارضة وتجريد الإسلام من السلام والحوار، إنني أحمل اسم جدي الأكبر، عبدالله الأول، الذي اغتيل على يد رجل متطرف، أصاب كذلك والدي الملك الحسين، الذي كان في الخامسة عشرة من العمر، برصاصة، لكنه نجا وأصبح صانع سلام عظيما، كان دائما يؤمن أن القائد الحقيقي هو الذي يتصدى لقوى الدمار.
من بين مسلمي العالم الذين يبلغ عددهم 2ر1 مليار نسمة، يشكل المتطرفون، بطبيعة الحال، أقلية ضئيلة، وقد اعتقد كثير من المسلمين على مر العقود أنهم يستطيعون تجاهلها لأنهم لا علاقة لهم بهذه الفئة الهامشية المجرمة، لكن أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 غيرت هذا النوع من التفكير، فالفكرة بأن أي شخص يمكن أن يستغل ديننا لإجازة قتل الأبرياء، أثارت حنق المسلمين في كل مكان، وحسب معرفتي، فان كل دولة مسلمة، وكل مركز للدراسات والعلوم الإسلامية وكل منظمة إسلامية رئيسية في الولايات المتحدة أدانت هجمات الحادي عشر من أيلول إدانة مطلقة. وقد فعلت ذلك، ليس من باب اللياقة الدبلوماسية وليس خوفا من الولايات المتحدة بل لان عقيدتنا تتطلب ذلك.
لكن علينا أن نقوم بما هو أكثر من ذلك للتأكد من أن يكون الصوت الحقيقي للإسلام مسموعا. وعلى المسلمين في هذه الأيام أن يجاهروا بجرأة دفاعا عن إسلام معتدل، إسلام يعزز قدسية الحياة الإنسانية، يصل إلى المضطهدين، يخدم الرجل والمرأة على حد سواء، ويؤكد على أخوة الجنس البشري بأكمله، فهذا هو الإسلام الحقيقي الذي دعا إليه رسولنا الكريم، وهو الإسلام الذي يسعى الإرهابيون إلى تدميره.
لكن هذا ليس تحديا يواجه المسلمين وحدهم فكل الديانات عانت ومازالت من العنف والتطرف اللذين يمارسهما القلة، وحتى ونحن نبدأ القرن الحادي والعشرين وهو عصر التبادل العالمي والمعرفة المتدفقة-فان اسم الله يستغل في تشجيع الانقسامات وتبرير الصراع. ان الاختلافات بين العقائد تصبح اختلافات بين الشعوب،مما يجعل كل البشرية تعاني.
إننا نشترك معا في مسؤولية الحيلولة دون إساءة استغلال الدين من قبل الذين يمكن أن يفرقوا بيننا، وعلينا واجب خاص لمكافحة الظلم، الذي يستغله المتطرفون في كثير من الأحيان، وإن مساعدتنا أكثر ما تكون مطلوبة في الأراضي المقدسة، حيث يلح الفلسطينيون والإسرائيليون معا، على السلام والاستقرار والأمن، علينا معا أن نحث زعماءهم على سماع صوت العقل والسلام، وإنهاء الاضطهاد والاحتلال، ووقف العنف وإيجاد مستقبل مليء بالأمل.
كان والدي وجدي الأكبر يوقنان بأن حلا سليما وسياسيا للصراع العربي الإسرائيلي سيكون أساسيا لهزيمة التطرف وبناء عالم ينعم بالسلام والقبول المتبادل. واليوم تُظهر الأحداث أنهما كانا على صواب، فما هو مطلوب حاليا واضح لجميع الأطراف، دولة فلسطينية مستقلة بشكل كامل، وإسرائيل مندمجة مع جيرانها العرب في بيئة من السلام والأمن،ولهذا السبب يدعم الأردن بقوة مبادرة السلام العربية التي صدرت في بيروت في آذار، التي تلزم جميع الدول العربية باتفاقية سلام مع إسرائيل وإقامة الدولة الفلسطينية وتشمل ضمانات أمنية جماعية وحلا متفقا عليه لمشكلة اللاجئين، كما يعمل الأردن بفعالية مع الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا والأمم المتحدة لرسم خريطة طريق وجدول زمني لنهاية دائمة ومستدامة للصراع.
إنها لحقيقة مفجعة أن تصبح الأرض المقدسة، في نظر كثير من الناس، قد أصبحت رمزا للتطرف والظلم وليس للسلام على الأرض، ونحن بوصفنا مواطنين وقادة في هذه الأرض، أمامنا فرصة لتحدي الكراهية وهزيمة الإرهاب، إننا حيث نفعل ذلك، نستطيع أن نساعد هذه المنطقة، المهمة جدا لكل الديانات لكي تقود الطريق إلى مستقبل أفضل لكل العالم.
والسلام عليكم.