مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع شبكة سي. ان. ان.

١٤ كانون ثاني ٢٠١٦

 

مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع شبكة سي. ان. ان.

أجرى المقابلة: وولف بليتزر 
المؤسسة الإعلامية: شبكة سي. إن. إن. - غرفة الحدث 
التاريخ: 14 كانون الثاني/يناير 2016 
(مترجم عن الإنجليزية)


 

سي. إن. إن: بينما نتحدث الآن مع جلالتكم، قامت إيران بإطلاق سراح عشرة بحارة أمريكيين بعد احتجازهم إثر حادث عابر. هل يثق الأردن بإيران؟

جلالة الملك: للأردن علاقات مع إيران، ولكن من الواضح أننا نشهد تدخلات إيرانية في اليمن وإفريقيا والعراق وسوريا ولبنان وأفغانستان، وننظر بعدم الارتياح لهذا الأمر.

سي. إن. إن: كما تعلم، سوف تقوم الولايات المتحدة وشركاء دوليون آخرون برفع العقوبات عن إيران في مقبل الأيام، وسوف تتسلم إيران قريباً جداً 100 مليار دولار، وباستطاعتهم أن يفعلوا بها ما يشاؤون. هل هذا مصدر قلق للأردن؟

جلالة الملك: هو مصدر قلق العديد منا في المنطقة وخارجها كما أعتقد، وعليه فقد قلت أنه لا بد من الربط بين الاتفاقية النووية وأداء إيران فيما يتعلق بالملفات الأخرى، ولذا أعتقد أنه سيكون هناك تقييم لأداء إيران، وعلينا أن نرى كيف سيتم ذلك.

سي. إن. إن: في خطاب "حالة الاتحاد"، قال الرئيس أوباما أنه لا يجب أن يطلق على الحرب ضد عصابة داعش بأنها حرب عالمية ثالثة، لأن ذلك يخدم أهداف داعش الدعائية. لقد وصفت، جلالتكم، هذه الحرب بأنها تكاد أن تكون حربا عالمية ثالثة. هل ما زلت ترى الحرب على عصابة داعش كذلك؟

جلالة الملك: لقد قلت بأن الحرب على الخوارج، أي الخارجين عن الاسلام، هي حرب عالمية ثالثة بوسائل أخرى. إن الأمر لا يقتصر على داعش، بل يشمل كل تلك الجماعات الإرهابية من الفلبين وإندونيسيا وحتى مالي. كل هذه الجماعات متشابهة أينما توجد في العالم: داعش أم بوكو حرام أم الشباب أم النصرة، أينما توجد في العالم، كما قلت من آسيا وحتى القارة الإفريقية. هناك إما حرب شاملة أو حرب ضد عصابات مسلحة.

وهذا، كما ذكرت مرارا، كفاح دولي، يجمع أتباع جميع الديانات إلى جانبنا كمسلمين في حربنا ضد الخارجين عن الإسلام.

سي. إن. إن: يقول رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إن عصابة داعش ستهزم هذا العام، فيما ذكر الرئيس أوباما في خطاب "حالة الاتحاد" إنها حرب مستمرة وممتدة عبر الأجيال. ما هو تقييمكم؟

جلالة الملك: مرة أخرى يجب أن نفرق بين الحرب على داعش في سوريا والعراق والحرب الدولية على الخوارج، فعصابة داعش في سوريا والعراق يمكن هزيمتها بسرعة كبيرة، لكن الحرب الدولية التي أسميها حرباً عالمية ثالثة بوسائل أخرى هي حرب الأجيال، ونأمل أن يتحقق الجانب العسكري فيها على المدى القصير، أما المدى المتوسط فهو الجانب الاستخباري والأمني، وأما على المدى الطويل فهو الجانب الفكري والتربوي لهذه الحرب.

سي. إن. إن: وهذه (أي الحرب العالمية الثالثة) هي الحرب العابرة للأجيال؟

جلالة الملك: هي فعلا حرب عابرة للأجيال، ليس داخل الاسلام فحسب. وسننتصر فيها عندما نحقق، نحن المسلمون، الغلبة على الخوارج الذين فقدوا صوابهم، وعندما نتواصل أيضاً مع أتباع الأديان الأخرى، لنثبت لهم أن الإسلام لا يمثله من يمارسون الإرهاب، والذين لا يشكلون إلا واحدا بالعشرة بالمئة من أتباع ديننا.

سي. إن. إن: تقول الولايات المتحدة إنها نفذت معظم الضربات الجوية ضد عصابة داعش، أما بقية أعضاء التحالف والدول الأخرى، سواء الأوروبيين أو الأردن أو الإمارات أو السعودية، فربما نفذت 6 بالمئة فقط من الغارات الجوية. وفي ذلك تلميح أنكم وبقية دول التحالف لا تفعلون ما يكفي.

جلالة الملك: أعلم عدد الضربات الجوية التي قمنا بها، ناهيك عن حجم الطلعات الجوية والاستطلاعية التي نفذناها. لقد ضربنا عددا هائلا من الأهداف الأرضية، وأردنا دائما أن نضرب المزيد. أعتقد أن علاقتنا جيدة بوزير الدفاع الأميركي، وهناك بعض الجنرالات الجدد في وزارة الدفاع الآن يريدون تصعيد المعركة ضد عصابة داعش، وأعتقد أنك سترى تصعيدا في وتيرة الحرب، حيث كانت هناك بعض العمليات النوعية.

أستطيع القول، من وجهة نظر الأردن، أننا نريد أن نرى المزيد، وهذا هو أحد أسباب زيارتنا الحالية إلى واشنطن. يتعلق الأمر بمسألة التنسيق: كيف يمكننا تحقيق كل ذلك معا؟ هذا هو الشيء الذي طرح للنقاش خلال الأشهر القليلة الماضية، وهو ما نحاول أن نفعله الآن. ما هو أقصى جهد على الأردن بذله؟ وماذا يمكننا أن نفعل لإحكام التنسيق؟ ما الذي على العراقيين القيام به والأتراك والأكراد بالتنسيق مع بقية دول التحالف؟ ومرة أخرى، فإن محادثات فيينا مهمة جدا لأنه علينا أن نتعامل مع الروس في نهاية المطاف. لو استطعنا، في رأي، كسب الروس ليصبحوا جزءا من عملية التنسيق هذه، سيكون الوضع أفضل كثيرا. ولكن هذه مسألة على موسكو وواشنطن أن يجدوا حلا لها.

سي. إن. إن: هل تعتقد أنه من الممكن لروسيا وإيران التعامل مع مسألة مستقبل سوريا، وأن تتخليا عن الرئيس السوري بشار الأسد، والسماح بأن يتنازل عن الحكم والانسحاب؟

جلالة الملك: ناقشت، خلال مباحثاتي مع الرئيس بوتين، الحاجة لتحريك العملية السياسية إلى الأمام بأسرع وقت ممكن. ومن الواضح أن هناك دول تقول أن على بشار أن يتنحى اليوم، والروس يقولون ليس قبل 18 شهرا. سأتحدث عن ذلك من وجهة نظرنا، لأن هناك تواجد للجيش الحر في جنوب سوريا، وهناك تنسيق أردني – روسي لتحقيق وقف لإطلاق النار في تلك المنطقة.

لقد ناقشت، على وجه التحديد، مع بوتين فكرة أنه لا يمكننا أن نتوقع من الرجال والنساء الشباب السوريين أن يتخلوا عن أسلحتهم وأن يلتزموا بوقف إطلاق النار، إذ لم نشهد تحركا في العملية السياسية في فيينا. لن يجلسوا منتظرين لشهرين أو ثلاثة شهور دون أن يأملوا بحدوث تقدم. لذا فإن الروس يدركون تماما أن علينا، عاجلا وليس آجلا، أن نوفر آلية تسمح للعملية السلمية من المضي قدما، وأعتقد أن الجميع يدرك أن ذلك يعني رحيل بشار.

سي. إن. إن: المرشح على قائمة الجمهوريين للرئاسة السيناتور تيد كروز يقول إن السماح للاجئين السوريين بالدخول إلى الولايات المتحدة حماقة، فيما يقول متصدر المتنافسين الجمهوريين، دونالد ترامب، إن استقبالهم في الولايات المتحدة هو "حصان طروادة". ما هو رد فعلك؟

جلالة الملك: علينا أن نكون حذرين في مسألة التدقيق الأمني. ولكن في الوقت نفسه، لا يمكن أن نسمح أن يعاني 80 أو 90 بالمئة من اللاجئين. لذلك كان لا بد دائما من الموازنة بين قيمنا الأخلاقية، التي تملي علينا الاعتناء بمن يرزح تحت المحن ويحتاج الأمن، وهو أمر علينا دائما التعامل معه.

سي. إن. إن: كم لاجئاً سورياً استقبل الأردن؟

جلالة الملك: لدينا ما بين 2ر1 و 3ر1 مليون لاجئ الآن، ولكننا استقبلنا أكثر من ذلك لأن هناك من يعودون إلى سوريا والبعض يذهب إلى دول أخرى.

سي. إن. إن: كما تعلمون، ففي الولايات المتحدة اليوم جدلا كبيراً حول السماح للاجئين السوريين بدخول البلاد. لقد قبلت الولايات المتحدة استضافة 1500 لاجئ سوري لغاية الآن. وتقول الإدارة الأميركية إن العدد الكلي قد يصل إلى 10 آلاف. باعتقادك، هل ما تقوم به الولايات المتحدة كافٍ لمساعدة اللاجئين السوريين؟

جلالة الملك: لقد واجهنا تحديات مؤخراً بسبب وجود 12 أو 14 ألف شخص خلف الحدود إلى الجانب الشمالي الشرقي من حدودنا، وهؤلاء لا يسمح لهم بالدخول إلا بعد تدقيق أمني صارم، وجزء من المشكلة أنهم جاؤوا من شمال سوريا وتحديداً من الرقة والحسكة ودير الزور، وهي مناطق تمركز عصابة داعش. ونعرف أن هناك عناصر من داعش في هذه المخيمات الحدودية. لقد تعرضنا لضغوط هائلة من المنظمات غير الحكومية ودول أخرى لاستقبالهم.

نحن نستقبل يومياً من خمسين إلى مئة لاجئ، ومؤسساتنا الحكومية والجيش ومستشفياتنا العسكرية جاهزة على الجانب الأردني من الحدود إلى جانب المنظمات الأهلية لتقدم الرعاية لهم. لكننا نتعرض للضغوط من قبل المجتمع الدولي الذي يقول: "لقد سبق وأن استقبلتم 2ر1 مليون لاجئ!". لذا، فمن وجهة نظر إنسانية وأخلاقية، لا يمكن التشكيك في التزام الأردن، ولكن هذه المجموعة تحديداً تشكل تهديداً أمنياً. وعليه، يجب أن نكون في غاية الحذر، مع تفهمنا قلق بعض الدول. ومع هذا، فيجب أن لا نغفل عن مأساة اللاجئين، وعلى الجميع مساعدتهم.

سي. إن. إن: ما هو رأيك في مطالبة دونالد ترامب بحظر مؤقت على دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، حتى تقرر أميركا موقفها منهم؟

جلالة الملك: أعتقد ان هذا هو نفس التحدي الذي نراه مع بعض المجموعات العالقة على الحدود. كما تعلمون، وصلتنا ملاحظات من الولايات المتحدة لإدخال مجموعة اللاجئين العالقة على حدودنا، والتي أشرت إليها للتو، إلى بلدنا. وجوابنا على هذه الملاحظات أننا نتفهم ذلك، ونحن نحاول إدخالهم، ولكننا في نفس الوقت، نريد أن نتأكد من نجاعة آليات التدقيق الأمني التي وضعناها، وأننا لن نتعرض للخداع، وأن الأمور ستسير على خير.

ولكن كما قلت سابقا، فنحن نستقبل من 50 إلى 100 لاجئ كل يوم من منطقة نعرف أنها مصدر كبير للخطر. ومن الواضح، أن منهم المرضى وكبار السن والنساء والأطفال. قد يتصل بنا بعض الناس ويقول: أدخلوا جميع النساء، ولكن كما رأيتم في ولاية كاليفورنيا، وكما رأيتم في باريس مؤخرا، كانت النساء، للأسف، جزءا من المنظمات الإرهابية والهجمات الإرهابية. ولكن عموما لا يمكننا عزل اللاجئين، وما علينا إلا أن نكون أذكياء، دون غياب التعاطف مع من يحتاجه.

سي. إن. إن: دونالد ترامب لا يتحدث عن اللاجئين فقط، بل قال إنه يتحدث عن المسلمين، وعدم السماح لهم مؤقتا بدخول الولايات المتحدة. أنت قائد مسلم من بلد مسلم. ما هو رد فعلك؟

جلالة الملك: أنتم في فترة انتخابية، لذا لا أعتقد أنه من الإنصاف أن تطلب من رئيس دولة التعبير عن رأيه في المرشحين للانتخابات في بلدكم.

سي. إن. إن: أعدمت السعودية، كما تعلمون، عالماً شيعياً وآخرين متهمين بالإرهاب، وكردة فعل على ذلك، تعرضت السفارة السعودية في طهران للحرق والنهب، فقطعت السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع إيران وتبعتها دول عربية سنية قطعت علاقاتها أو خفضت من مستوى التمثيل الدبلوماسي في إيران، ومنها الامارات والكويت والبحرين وقطر، أما الأردن فلم تفعل، لماذا؟

جلالة الملك: نحن ننسق دوما مع السعودية، واتخذنا موقفاً حازماً تجاه ما فعله الإيرانيون. ندعم إخواننا السعوديين بالكامل، واتخذنا الموقف الذي ارتأيناه، فاستدعينا السفير الايراني للتعبير عن عدم رضانا حيال ما قامت به إيران، وذلك بالتنسيق مع أشقائنا في السعودية، وعلاقتنا بالأخوة هناك قوية بشكل كبير، وكذلك هي علاقتي بخادم الحرمين، وولي عهده، وولي ولي العهد، والموقف الذي اتخذناه في الأردن جاء بالتنسيق بين البلدين.

لأننا شركاء في محادثات فيينا حول سوريا، ارتأينا من الحكمة أن يكون لدينا موقف مرن أثناء هذه المباحثات في هذه المرحلة. ومن الواضح أن هناك ارتفاعا في منسوب التوتر بين السعوديين والإيرانيين، وسيتجلى ذلك خلال محادثات فيينا. لكن الأهم من ذلك، في اعتقادي، أن أشقاءنا السعوديون ينظرون من الزاوية الأخلاقية للموضوع، حيث إنهم لا يريدون للتوتر أن يتصاعد نحو صراع شيعي - سني في المنطقة. لذا أعتقد أن الجميع يسعى لتهدئة الموقف والتركيز على الأمور ذات الأولوية، خصوصا محادثات فيينا.

سي. إن. إن: نعلم أن للأردن علاقات جيدة جداً مع السعودية، ولكن هل لديكم مشكلة مع إعدام هؤلاء الارهابيين؟

جلالة الملك: لقد أبلغونا عن ذلك، ونحن نرى أنها مسألة داخلية ونحترم قرارهم وآلية اتخاذ القرارات لديهم. وكما قلت، فنحن ندعم بالكامل ما وجدوا أنه من الضروري القيام به.

سي. إن. إن: صاحب الجلالة، أكرمتنا بوقتك. شكرا جزيلا. ومرحبا بكم في واشنطن.

جلالة الملك: شكرا جزيلا.