هذا ليس الوقت المناسب للمنافسة الجيوسياسية

٣١ آذار ٢٠٢٠

هذا ليس الوقت المناسب للمنافسة الجيوسياسية
نحن بحاجة إلى تحالف عالمي لمحاربة الوباء

مقالة بقلم جلالة الملك عبدالله الثاني، ورئيس جمهورية ألمانيا الاتحادية فرانك-فالتر شتاينماير، ورئيسة جمهورية سنغافورة حليمة يعقوب، ورئيسة جمهورية أثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية سهلورق زودي، ورئيس جمهورية الإكوادور لينين مورينو غارسيس

صحيفة الفاينانشال تايمز البريطانية

(مترجم عن الإنجليزية)

 

تتباطأ حركة بلداننا ومجتمعاتنا واقتصاداتنا لدرجة التوقف التام تقريبا، في مواجهة تهديد عالمي وخارجي يتعدى الحدود والأعراق والعقائد. مظاهر الحياة العامة توقفت تماما. ولكن من الصعب أن تستمر تدابير التباعد الاجتماعي غير المسبوقة هذه على المدى الطويل.

تنشغل مختلف البلدان داخليا وهي تحاول مواجهة وباء فيروس كورونا المستجد، حيث أُغلقت الحدود وفرضت تدابير تنفيذية صارمة، الأمر الذي قد يترك كل بلد وحيدا ومعزولا في هذا الصراع. ولكن، يمكننا احتواء فيروس كورونا والتصدي له بفاعلية أكبر من خلال هدم الحواجز التي تعيق تبادل المعرفة والتعاون.

إن مثل هذه الأزمات قد تبرز أفضل وأسوأ ما في البشرية. وإنها مسؤوليتنا كقادة أن نشجع التصرفات الحميدة وأن نمنع السيئة. ومع أن بلداننا تمر في مراحل متفاوتة من هذه الأزمة، إلا أننا نرى ونقدر روح التضامن العالية التي ظهرت، وأولئك الذين يعملون بجد وحرص لإنقاذ الأرواح أو الاستمرار بتوفير خدمات لا غنى عنها. هؤلاء الأشخاص يمنحوننا الأمل والإلهام بأن مجتمعاتنا لن تتجاوز هذه الأزمة فحسب، بل ستصبح أقوى وأكثر ترابطا ببعضها البعض.

وعلى نحو مشابه، فإن الوسيلة الأمثل لمعالجة البعد العالمي لهذه الأزمة هي تعزيز التعاون والتضامن. هناك درس أساسي نتعلمه من تجارب البشرية: جميع الأوبئة تقريبا التي كان لها عواقب وخيمة، مثل السل، والجدري، والإيبولا، والإيدز، هزمها الطب الحديث بتوفيره العلاج واللقاحات. وبالتالي فإن المعرفة المشتركة والبحث العلمي المتسارع، بقيادة شبكة عالمية من العلماء، من شأنها أن توفر أيضا الحل الأمثل لمأزقنا الحالي.

هذه أزمة عالمية، والتباطؤ في اتخاذ الإجراءات يعني الموت. إننا جميعا نواجه العدو نفسه، وسنكسب هذه الحرب إن حشدنا قوى البشرية كاملة لمواجهته. لا يمكن لبلد واحد، أو لبعض البلدان، أن تنتصر على الفيروس وحدها. لدينا جميعا ما يمكننا أن نساهم به، بغض النظر عن حجم اقتصاداتنا أو عدد سكاننا، فالتوصل إلى حل عالمي يصب في مصلحة الجميع.

نحن نرحب بتعهد قادة مجموعة العشرين بالقيام بكل ما يلزم لمعالجة الأزمة، وندعم بالكامل النداء الإنساني العالمي للأمين العام للأمم المتحدة. ولكن، ليس هناك كيان عالمي واحد بإمكانه توفير العناصر الطبية والاقتصادية والسياسية المطلوبة لإنتاج لقاح لجميع من يحتاجه. لدينا قناعة راسخة بأن علينا أن نشكل تحالفا عالميا حقيقيا لحشد الإبداع والتضامن الإنساني.

استكمالا لعمل منظمة الصحة العالمية، ندعو مجموعة البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، والحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر، والتحالفات الدولية لتطوير اللقاحات، والمؤسسات الخيرية، والعلماء، وشركات الأدوية من القطاع الخاص، إلى توحيد جهودها.

على هذا التحالف العالمي الجديد الالتزام بتحقيق أربعة أهداف رئيسية. أولا، يجب علينا تسريع البحث والتطوير للوصول إلى علاجات ولقاحات من خلال فتح المجال أمام البحث العلمي الذي يتسم بالشفافية، ومن خلال تعزيز التمويل. ثانيا، يجب أن نضمن إنتاجا متسارعا لأدوات الاختبار والكشف عن الفيروسات والمعدات الطبية الضرورية، كما علينا ضمان نزاهة وعدالة عمليات شرائها وتوزيعها على الجميع. ثالثا، دعونا نوسع عملية الإنتاج لضمان التوزيع العادل والمنصف للعلاجات واللقاحات المستقبلية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك إيصالها للفئات السكانية المعرضة للخطر مثل اللاجئين. رابعا، علينا توضيح المزايا الهائلة لاستجابة عالمية منسقة ومرتكزة على التعاون في مواجهة الأزمة، تؤدي إلى توفير العلاج واللقاح المنتظرين، كنموذج مثالي للمنفعة العامة العالمية. 

نحن ندرك أن مثل هذا التحالف بين جهات متعددة لن يكون من السهل بناؤه أو إدارته، ولكننا نؤمن أن الأمر يستحق ذلك الجهد؛ إذ من شأن تحالف كهذا أن يستثمر في آمال الناس العريضة وتطلعاتهم. فهذا ليس الوقت المناسب للمنافسة الجيوسياسية.

كما ندرك أن مجتمعاتنا لن تبقى كما كانت بعد الأزمة، وأن عالمنا سيكون مختلفا أيضا. لكننا نتحدى كل أولئك الذين يدعون بأنهم يعرفون اليوم أن عالمنا سيكون أكثر فقرا وبؤسا، وأن الشعوب والأمم ستبقى متباعدة عن بعضها البعض. إن قراراتنا على مدى الأسابيع والأشهر المقبلة ستحدد كيف سيبدو العالم غدا.

لن يساهم تدويل عملية تطوير وتصنيع وتوزيع العلاجات واللقاحات في مكافحة الفيروس فحسب، بل سيساهم أيضا في رأب الصدوع السياسية التي تشكلت منذ انتشار هذا الفيروس. ولا يمكن لأي بلد أن يتجنب هذا الوباء، بصرف النظر عن حجم اقتصاده وإمكانياته وتقدمه التكنولوجي، فنحن كلنا سواسية أمام هذا الفيروس، وعلينا أن نعمل معا للتغلب عليه. نحن واثقون بقدرة الإبداع الإنساني على إنقاذنا إن ضممنا معرفتنا وجهودنا جميعا. لذا، دعونا نحقق ذلك في روح من التضامن ورعاية الجميع، فقراء وأغنياء، كبارا وصغارا، نساء ورجالا. سننقذ في تضامننا حياة الناس، ونبرز أفضل ما فينا جميعا، ونجعل من عالم الغد مكانا أفضل.

رابط المقالة