وجهة النظر الأردنية: أزمة اللجوء المنسية تتطلب اهتماما عالميا متجددا

٢٧ تشرين أول ٢٠٢١

وجهة النظر الأردنية: أزمة اللجوء المنسية تتطلب اهتماما عالميا متجددا

مقالة بقلم جلالة الملك عبدالله الثاني
نشرت في مجلة ويلسون الدورية الصادرة عن مركز "ويلسون" الأمريكي للأبحاث

(مترجم عن الإنجليزية)

بعد مرور أكثر من عام ونصف على بداية الجائحة وتداعياتها المستمرة على نطاق واسع، شهدنا تراجعا في الاهتمام بالتصدي للعديد من التحديات الملحة الأخرى التي تواجه عالمنا، والتي تفاقمت بسبب الجائحة، مثل أزمة اللجوء العالمية. ولكن بالنسبة للعديد من الدول حول العالم، وبما في ذلك بلدي الأردن، تبقى أزمة اللاجئين واقعا يوميا لا يمكن تجاهله.

توفير ملاذ آمن للفارين من العنف والاضطهاد يقع في صميم المبادئ التي تأسس عليها الأردن، فقد فتحنا أبوابنا للموجة تلو الأخرى من اللاجئين على مدى عقود، في إحدى أكثر مناطق العالم اضطرابا. وما زلنا ملتزمين بذلك لأن هذا هو ديدننا، ولأننا لا نستطيع أن نغلق حدودنا في وجه أمهات بائسات، وأطفال وعائلات بأسرها تبحث عن ملاذ آمن.

يستضيف الأردن ثاني أكبر حصة من اللاجئين مقارنة بعدد السكان على مستوى العالم، فلدينا 3.6 مليون لاجئ من جنسيات مختلفة. ويشكل اللاجئون، بما فيهم المسجلون لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ما يقرب من ثلث السكان. هذا يعادل وجود 109.4 مليون لاجئ في الولايات المتحدة الأمريكية. يعيش غالبية اللاجئين بين المجتمعات المستضيفة وليس في مخيمات اللجوء.

بالنسبة للأطفال من اللاجئين السوريين الذين بلغوا سن العاشرة هذا العام، فإن الأردن هو البلد الوحيد الذي يعرفونه. وبينما يكبر جيل كامل من أطفال اللجوء السوري في الأردن والبلدان المستضيفة الأخرى، تبرز الحاجة إلى نهج دولي جديد في التعامل مع أزمة اللجوء يرتكز على التنمية، لتعزيز خدمات التعليم والرعاية الصحية، ومعالجة الضغط على البنية التحتية والتوظيف.

الارتفاع المفاجئ في عدد سكان الأردن، خصوصا في ظل موجة اللجوء السوري على مدى العقد الماضي، جاء مصحوبا بعدد من التحديات، منها تفاقم الصعوبات الاقتصادية، وزيادة الضغط على مواردنا المحدودة كالمياه والطاقة، بالإضافة إلى تحديات للأمن الغذائي.

ومع ذلك، يدرس السوريون في مدارسنا، ويتلقون العلاج في مستشفياتنا، ويتلقون اللقاح ضد كورونا في مراكز التطعيم لدينا. نحن نؤمن بأهمية توفير اللقاحات والرعاية الصحية والتعليم للاجئين الذين نستضيفهم، لأن لصحتهم وتقدمهم أثر علينا أيضا.

ولم يسمح الكثير من اللاجئين في الأردن، للجوء بأن يحد من طاقاتهم، بل اختاروا العمل بجد لتحسين معيشتهم والتعاون مع المجتمعات المستضيفة لهم. ففي أيلول الماضي، بدأ وليد، وهو لاجئ عراقي في الأردن، عمله كطبيب أمراض جلدية في مستشفى في محافظة إربد. وليد واحد من العديد من اللاجئين من العراق وسوريا واليمن المتخصصين في المجال الطبي، الذين استجابوا لنداء مفوضية الأمم المتحدة للاجئين في الأردن الذي استهدف أصحاب الخبرة السابقة في القطاع الطبي، للعمل والمشاركة في جهود مواجهة الجائحة.

وفي مخيم الزعتري للاجئين السوريين، يتم انتاج محاصيل زراعية بأيادي مزارعين سوريين تم تدريبهم على تقنيات الزراعة المائية، لكي يتمكنوا من إعالة أنفسهم والآخرين في المخيم باستخدام أساليب زراعية مستدامة واقتصادية في استهلاك المياه.

وفي مناطق أخرى، أنشأ اللاجئون أعمالا منزلية لتوفير مصادر دخل لهم ولعائلاتهم، كما وفروا في الوقت ذاته خدمات لنظرائهم من اللاجئين والأردنيين.

يدرك الأردن أن منح الفرص للاجئين سيساعدهم على المساهمة الفاعلة في المجتمع الذين يعيشون بينه في الوقت الحالي، بدلا من الاكتفاء بالجلوس وانتظار الوقت المناسب للعودة إلى بلادهم. وقد تم إصدار أكثر من 257 ألف تصريح عمل للاجئين السوريين، بمعدل تصريح عمل واحد لكل أسرة سورية. كما أن نحو 59 بالمئة من الرجال السوريين و7 بالمئة من النساء السوريات في الأردن يعدون نشيطين اقتصاديا.

لكن لا بد من مساهمة المجتمع الدولي لاستدامة هذا المسار، فاللجوء مأساة أخلاقية عالمية تتطلب استجابة دولية مستمرة. ومن غير المناسب أن يتخلى المجتمع الدولي عن اللاجئين والبلدان المستضيفة لهم كالأردن.

بلغت الكلفة الكلية المباشرة لاستضافة اللاجئين السوريين في الأردن خلال العقد الماضي حوالي 15.8 مليار دولار. وشهد الدعم الدولي للاجئين السوريين تراجعا كبيرا خلال السنوات الخمس الأخيرة، وخاصة خلال العامين الأخيرين؛ إذ تم تلبية 62% من الاحتياجات في 2016، بينما انخفضت النسبة إلى 50% في 2019. أما هذا العام، فتم تلبية حوالي 10% فقط (1) من الاحتياجات التي تتضمنها خطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية.

ولا تقتصر الاحتياجات الواردة في الخطة على توفير البنى التحتية اللازمة، بل تشمل النفقات اللازمة لتخصيص أطباء، وعاملين في القطاع الصحي، ومعلمين، إضافة إلى الكوادر الأخرى اللازمة للتعامل مع الضغوطات المتزايدة على المستشفيات والمدارس، والتي تقدم الخدمات للاجئين والأردنيين على حد سواء.

ولا بد من استمرار الدعم الدولي لوكالات مثل الأونروا، ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وبرنامج الأغذية العالمي، لبث الأمل في نفوس اللاجئين والمجتمعات المستضيفة وتعزيز منعتهم. كما أن هناك حاجة لدعم تطوير قدرات القطاع العام في دول مثل الأردن، حيث تتعرض الخدمات العامة للضغوطات المتزايدة، خاصة خلال العامين الأخيرين من الأزمة الاقتصادية التي فاقمتها جائحة "كورونا"، وتبعاتها على القطاعات المختلفة.

إن تبني المجتمع الدولي لمنهجية ترتكز على التنمية هو السبيل الوحيد للمضي قدما، فعوضا عن تقديم المساعدات النقدية أو العينية، يجب أن يتم دعم اللاجئين عبر تمكينهم والاستثمار في قدراتهم ليصبحوا مساهمين فاعلين في تطوير أنفسهم وتطوير المجتمعات المستضيفة لهم.

إن دعم مهارات وقدرات اللاجئين اليوم قد يقود إلى دعم علماء وقادة ومبتكري المستقبل. فبدلا من أن نشهد جيلا ضائعا، لدينا الفرصة لبناء جيل طموح واعد. انطلاقا من هذا المنظور، يعمل الأردن على إعادة الاستقرار في المنطقة، حتى يتمكن يوما ما هذا الجيل من اللاجئين من العودة إلى بلدانهم والمساهمة بشكل فاعل في إعادة بناء مجتمعاتهم وأممهم.


________________________

1 بحسب أرقام شهر أيلول 2021