الأخبار

الملك يلقي كلمة أمام طلبة الجامعات المشاركين في برنامج لاهاي الدولي

٢٠ آذار ٢٠١٨

ألقى جلالة الملك عبدالله الثاني، اليوم الثلاثاء، بحضور جلالة الملكة رانيا العبدالله، وجلالة الملك ويليام الكسندر، ملك مملكة هولندا وجلالة الملكة ماكسيما، كلمة أمام مجموعة تضم نحو 300 من طلبة الجامعات الهولندية ومن دول أخرى من المشاركين في برنامج لاهاي الدولي.

كما حاور جلالة الملك عددا من الطلبة عقب الكلمة التي ألقاها جلالته ضمن سلسلة الفعاليات التي ينظمها البرنامج بالشراكة مع بلدية لاهاي وعدد من الجامعات الهولندية بحضور عدد كبير من الشخصيات السياسية والأكاديمية والإعلامية والمهتمين بالشؤون الدولية.

 

وفيما يلي نص كلمة جلالة الملك:

"بسم الله الرحمن الرحيم

صاحبا الجلالة،

السيدة عمدة مدينة لاهاي،

السادة الحضور،

أصدقائي،

أشكركم جزيلاً على حفاوة الترحيب، ويسعدني حقاً أن أكون معكم هنا مجددا في هذا اليوم، فليس من باب الصدفة أن اسم مدينتكم، لاهاي، يرتبط في أذهان الناس بمبادئ العدالة والسلام، كما أن برنامج لاهاي الدولي لطلاب الجامعات هو جزء مهم مما تبذله مدينتكم من التزام ملهم نحو المستقبل المشترك الذي يجمعنا جميعا.

وأود أن أعرب لكم عن مدى سعادتي بإتاحة الفرصة لي للحديث مع هذه المجموعة من الطلاب. لطالما كان التواصل مع جيلكم من أكثر الجوانب الإيجابية ضمن مسؤولياتي، والتي أشعر بمنتهى الرضا عند تلبيتها. إن الشباب، والذي يشكلون الغالبية من الأردنيين، يمثلون حاليا قوة دولية حقيقية، فإنني أرى في وجوهكم الطاقة والحماس، كما أرى اهتمامكم وحرصكم نحو العالم، إنني أرى فيكم جيلا  يزخر بالمواهب.

هناك عدة مجالات يمكنكم أن توجهوا نحوها ما تملكون من حرص وطاقات ومواهب، وأود من خلال حديثي معكم اليوم أن أتناول إحدى هذه المجالات والمتمثلة في تمكين مختلف مجتمعات العالم من العيش سوية على أساس الاحترام المتبادل.

إن الإنسانية تزخر بالتنوع، فهناك أديان ومجتمعات وثقافات مختلفة. لكننا نرى كل يوم عبر وسائل الإعلام دعوات ضد هذا التنوع والاختلاف. نرى مخاوف وشكوك طائفية تذكي النزاعات؛ ونرى أناسا يقصون غيرهم ويسيئون معاملتهم لأنهم بالنسبة لهم يمثلون الآخر، ولمجرد أنهم من أقليات مختلفة أو ديانات أخرى أو نساء، رغم أنهن نصف البشرية؛ ونسمع أيضاً خطاب الكراهية المثير للريبة. ويضاف إلى كل هذا مجموعات المتطرفين الذين يستخدمون الدين ويشوهونه بهدف السيطرة على الناس وزرع الفتنة بين المجتمعات.

إن ترك هذه الأصوات والسماح لها بزرع الفرقة في المجتمع الانساني، هو أمر خطير جداً. فعالمنا اليوم مترابط بدرجة كبيرة، والتعاون الدولي أمر مهم للغاية لمواجهة التحديات أمامنا، وهي تحديات مشتركة، فكيف بإمكان أي بلد أو مجموعة حماية عالمنا الذي تتلاشى فيه الحدود؟ أو منع انتشار الأوبئة؟ وكيف بإمكان الاقتصاد العالمي أن يزدهر إن لم نعمل معا لمعالجة الفجوات التنموية ووقف حالات الركود الاقتصادي المترابطة وتداعياتها الأكثر سوءاً؟ وكيف لنا أن نحمي الشعوب إن لم تكن استجابتنا مبنية على موقف موحد في وجه الآزمات الإقليمية التي تنشر الخوف والعنف في جميع أرجاء العالم؟ وكيف لنا أن نقوم بأي من هذه الأمور دون أن نعي أن الإنسانية في جوهرها واحدة.

لطالما تعجبت ممن يدعون أن القيم والأخلاق يمكن فصلها عن حقائق الاقتصاد والسياسة والتكنولوجيا. إن عيشنا وعملنا المشترك يعتمد على هذه القيم والأخلاق، ويعتمد على التزامنا بمبادئنا والارتقاء نحوها. إن قيمنا تشكل رافعة لعيشنا المشترك، باعتبارها السبيل الوحيد في عالم اليوم المعقد الذي يمكن من خلاله لدولنا وشعوبنا أن تستمر وتزدهر، وفي مقدمة هذه القيم الاحترام والتسامح والتعاطف.

إنني أحمل هذه القيم كمسلم، وأشترك في ذلك مع المليارات من المسلمين على امتداد العالم، وفي مختلف مراحل تاريخنا الإسلامي. ونحن بالتأكيد لسنا وحدنا في ذلك، فأنا واثق بأن أهم قيمة، والمتمثلة في أن على الإنسان أن يعامل الآخرين كما يحب أن يعامل، هي قيمة تعلمها كل شخص موجود معنا هنا اليوم. فالديانات السماوية الثلاث، الإسلام والمسيحية واليهودية، وغيرها من المعتقدات الدينية في العالم يشتركون في قاعدتين أساسيتين، الدعوة لمحبة الله ومحبة الجار.

ليس هناك من منهاج أفضل من هذه القيم يساعدنا على تحقيق السلام والعدل الذي يستحقه عالمنا. ولجيلكم دور مركزي في تحقيق ذلك، ليس لأنكم تشكلون مستقبل الإنسانية وحسب، بل لأنكم قوة الدفع في عالمنا هذا سريع التغير، فأنتم تملكون مفاتيح القيادة، ونريدكم أن تقودونا نحو الطريق الصحيح. وأرجو أن تسمحوا لي هنا أن أقترح بضع نقاط تحدد بوصلتنا:

أولاً: وهو أمر قد يبدو سهلاً بالنسبة لكم، لكنه في الواقع ليس كذلك على الإطلاق، إنه يتطلب أن تستمروا في القيام بما تقومون به، وهو العمل على فهم عالمنا بشكل أفضل. إن هذه المعرفة تبدأ عندما نجتمع مع بعضنا البعض، في مثل هذا البرنامج العالمي على سبيل المثال، من أجل سد الفجوة بين مختلف الثقافات في حوار مبني على الاحترام. إن تحقيق ذلك لا يمكن أن يتم ما لم نتحدث ونستمع إلى بعضنا البعض بصدق وقبول للآخر.

لقد عمل الأردن بجهد دؤوب لتقريب وجهات النظر، من خلال عدة مبادرات مثل رسالة عمّان، وكلمة سواء، والأسبوع العالمي للوئام بين الأديان. ولكل فرد منكم دور يقوم به؛ فيجب أن تسخروا ما تتعلمونه هنا في البرنامج العالمي، لخدمة مجتمعاتكم، وأن تستخدموه في صفوفكم الدراسية ومجموعاتكم الرياضية، وأماكن عملكم. فليبحث كل واحد منكم عن شخص لا يعرفه من قبل، شخص ينتمي إلى عقيدة أو ثقافة مختلفة، تحدثوا واستمعوا إليهم باحترام، واستمروا في التحاور معهم، لأنكم بذلك تبنون الروابط التي توحد العالم.

ثانيا، أحثكم على أن يكون الشك والتساؤل هو نهجكم في التعامل مع أولئك الذين حادوا عن طريق الحوار، الذين يقولون لكم أن الحقيقة مقتصرة فقط على قلة مختارة وعالمة. الذين يحاولون خداعكم وتوجيهكم نحو الجوانب المظلمة لشبكة الانترنت، أو إلى طريق الكراهية المسدود. وتذكروا أن الحقيقة نور، وهو متاح للجميع ليبصره ويشاركه مع الآخرين.

وكمسلم، باستطاعتي أن أخبركم أن المسلمين يخشون جدا استغلال وتشويه معتقداتنا، سواء من قبل الخوارج أو من قبل من ينشرون الخوف من الإسلام (الإسلامفوبيا). إن الإسلام يعلمنا بأن البشر متساوون في الكرامة. وبأن علينا أن ندرك أن إنسانيتنا مشتركة، رغم تنوعها.

لقد علمنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنه لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. كما علمنا عليه الصلاة والسلام أنْ ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.

يجب أن لا نسمح أبدا لمن يفترون على ديننا، أو على أي دين آخر، بأن يزرعوا الفرقة في عالمنا. والحقيقة هي أن التهديد الذي يواجهنا اليوم ليس في نشوب صراعات بين الحضارات أو الأديان، بل يتمثل في من يهاجمون مستقبلنا المشترك، من خلال فكرهم المسموم الذي يدعو للكراهية. وفي هذه المعركة، فإن جميع المعتدلين، من جميع الأديان والدول والأعراق، يقفون صفا واحدا مع بعضهم البعض.

وأخيراً، أود أن أشير إلى أهمية ترجمة قيمنا المشتركة إلى أفعال. فنحن مسؤولون عن تعزيز التسامح والاحترام المتبادل في الحياة اليومية وفي المستقبل الذي نحاول جميعاً أن نبنيه. ويستطيع كل واحد منكم، كمواطن وكجار ضمن محيطه، أن يكون قدوة في التراحم وفي القيادة، وبإمكانكم أن تساعدوا مجتمعاتكم على إحقاق العدالة ونشر الاحترام المتبادل. فعلى كل منكم أن يرفع صوته في رفض أي إساءة تشهدونها أو تتعرضون لها، وباستطاعة كل فرد فيكم المساهمة في نشر القيم التي يعتمد عليها عالمنا.

أدرك أنكم – وبحكم وجودكم هنا اليوم – تهتمون جميعاً بالقضايا العالمية ومنخرطون بها. وبإمكان كل واحد منكم، كما بإمكان جميع الشباب والفتيات حول العالم، أن يوظفوا هذا الاهتمام لإحداث فرق إيجابي. فأنتم من سيقوم بتحفيز المجتمع الدولي ليتخذ إجراءات فاعلة تترجم قيمنا المشتركة، سواء بدعم التنمية المستدامة، أو بمواجهة المخاطر البيئية، أو بالوصول إلى حلول سياسية لصراعات المنطقة تشمل جميع مكونات المجتمع، والتي أجبرت العديد من اللاجئين اليائسين على الهرب من بلدانهم.

وفوق كل ذلك، علينا أن نحارب إقصاء أي فئة، خاصة الشباب، من الوصول إلى الفرص الواعدة في هذا العصر. دعونا نمنح الجميع فرصة في مستقبل تسوده مبادئ العدالة والاحترام المتبادل والازدهار والسلام.

وبدورنا، فإننا في الأردن قد تصرفنا بما تمليه علينا قيمنا في التراحم منذ بداية لجوء الملايين من السوريين في 2011 هرباً من العنف في بلدهم. إذ نستضيف الآن 1.3 مليون لاجئ سوري، بمعدل واحد لكل خمسة أردنيين، بالإضافة إلى الملايين الآخرين من اللاجئين الذين قدموا بفعل أزمات أخرى. ونحن نعتمد الآن على أصدقائنا ونتوقع منهم أن يتصرفوا بما تمليه عليه قيمهم ليساعدوا في تخفيف الحمل على شعبنا ويمنحوهم الأمل بالمستقبل، وليحولوا دون ضياع جيل كامل من المواطنين السوريين. وهنا، صاحبي الجلالة، أعبر لكم عن تقديري الكبير للدور الذي لطالما لعبته بلادكم كشريك لنا، وعلى مساعدتكم في التصدي للتحديات التي تواجهنا، فلكم ولشعبكم خالص الشكر.

وتزداد أهمية العمل الدولي المبني على القيم المشتركة خصوصا في إنهاء الصراعات. فالفشل في حل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي تسبب في انعدام الثقة حول العالم، وزاد من حدة عدم الاستقرار والجنوح نحو التطرف. يتساءل الشباب الفلسطيني لماذا لا تنطبق عليهم مبادئ العدل الدولية. فالفلسطينيون -  كما نظراؤهم الإسرائيليون - يستحقون سلاماً دائماً ومستقبلا أفضل.

ولن يتحقق هذا السلام إذا استمرت الإجراءات الأحادية، أو إذا استمرت التهديدات ضد القدس الشريف، والتي يجب أن تظل مدينة تجمعنا ورمزاً للسلام. وسنستمر بالقيام بواجبنا الذي تمليه الوصاية الهاشمية في حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، والحفاظ على الهوية التاريخية لهذه المدينة المقدسة. ولكنني أؤمن بأن على المجتمع الدولي بأكمله أن يقوم بواجبه في تعزيز الاحترام المتبادل وتحقيق العدالة للجميع.

أصدقائي، الطلبة الأعزاء،

أمام عالمنا تحديات كبيرة في هذا العصر، ويجب أن لا تفقدوا الثقة في قدرتكم على إحداث التغيير الإيجابي في العالم. فلأصواتكم أثر كبير في تحديد وجهة عالمنا ورسم معالمه في نظر الملايين، بل المليارات من الناس. فأنتم تمثلون الجيل الذي يضم مصممي ومستخدمي التطبيقات الذكية، والفنانين والكتاب، وأنتم معلمو المستقبل ومؤسسو الشركات الناشئة، وأنتم المبدعون والمبتكرون والمؤثرون.

لذا، أدعوكم لاستثمار معرفتكم ووسائل التكنولوجيا الحديثة كسبل تقودنا نحو عالم أفضل. وأن تستندوا إلى قيمكم المشتركة حتى تنير لكم دربكم نحو المستقبل. كونوا شركاء لنا وساعدونا في نبذ الجهل وغياب الاحترام، وقودوا العالم نحو الأفضل، وساهموا في بناء المستقبل المشرق الذي تستحقونه جميعا.

شكراً لكم".

 

وفي معرض رد جلالة الملك على أسئلة عدد من الطلبة المشاركين في برنامج لاهاي الدولي، والتي تناول أحدها الأزمة السورية ودور المجتمع الدولي في التوصل إلى حل سياسي لها، إضافة إلى تبعات هذه الأزمة الممتدة على مدار سبع سنوات على الأردن، قال جلالته "أعتقد أنها مسألة معقدة جداً، ولن نتوصل إلى حلول سريعة وبشكل فوري. وهناك جانبان لموضوع الأزمة السورية، وهو كيفية استعادة الاستقرار في سوريا، ونأمل أن يتم ذلك عبر مسار جنيف، الذي يعالج تغيير الدستور والتحضير للعملية الانتخابية التي تسمح لسوريا بالتقدم إلى الأمام، آخذين بعين الاعتبار أن داعش قد هزمت ولم تدمر بالكامل، وهذا ليس فقط في سوريا، بل أيضا في العراق ومواقع أخرى في العالم".

وأضاف جلالته أن لروسيا دور في سوريا. وما نراه عبر محادثات أستانا هو خفض التصعيد العسكري للوصول إلى مسار جنيف، وهو الجانب السياسي، وسيتم ذلك بخطوات بطيئة.

ولفت جلالة الملك إلى أن الأوضاع في جنوب سوريا مستقرة نسبياً، لأن الروس والأمريكان والأردنيين مجتمعون في مركز يعمل على مدار الساعة لمراقبة خفض التصعيد، وتفادي النزاعات واستدامة الاستقرار في الجنوب، مبينا جلالته أن الوجود الإيراني يشكل عاملاً لا يمكن التنبؤ به، خصوصاً ونحن نحاول التأسيس للاستقرار لكي ننتقل إلى مرحلة إعادة البناء في الاتجاه الصحيح، ونأمل أن يمكّننا النجاح في الجنوب من تطبيق نفس التجربة في وسط وشمال سوريا، رغم التعقيدات على الساحة السورية بسبب تدخل بعض القوى.

وقال جلالته "إنه إذا كان هناك أحد يظن أن الأزمة سيتم حلها في عام 2018، فإني لا أرى ذلك ممكناً. وهناك بعض الأشخاص الذين يقولون لي إن الأزمة السورية صعبة جداً، ولكنني أقول لهم: ماذا يمكننا أن نفعل؟ فلا يمكننا أن نستسلم ونترك سوريا".

وتابع جلالته "لا أريد أن أصيبكم بالاكتئاب، ولكن علينا أن ننظر إلى النصف الممتلئ من الكأس، وأن لا نقبل بالرفض، وأن نستمر بالعبور بسوريا في الاتجاه الصحيح. والهدف هو الوصول إلى جنيف، ما يتطلب أن نعمل جميعاً في المجتمع الدولي وفي التحالفات المختلفة معاً، شريطة أن يكون الهدف هو حل الأزمة السورية من أجل الشعب السوري وتأمين حياة أفضل لهم، وإن تحقق ذلك، أعتقد أننا سنصل إلى مبتغانا".

وردا على سؤال عن التطور الذي يشهده قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في الأردن، ودور الشباب الأردني في مواكبة أحدث التقنيات العالمية في هذا المجال، قال جلالته إن هذا الوضع ينطبق على كل الدول، ومن ضمنها النرويج وهولندا والأردن، فأملنا هو شبابنا، وأن يسيروا بالأردن نحو الطريق الصحيح.

وأضاف جلالته أن قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ولفترة طويلة من الزمن، شكل قطاعا كبيرا في الأردن، لافتا إلى أن ما نسبته 75 بالمائة من المحتوى باللغة العربية في منطقة الشرق الأوسط ينتج في الأردن.

وتابع جلالة الملك "إذا ما تم النظر إلى المؤشرات المرتبطة بالشركات الناشئة والابتكارات، آخذين بعين الاعتبار حجم السكان، فإن الأردن يعتبر سباقا في هذا المجال. وهذا الموضوع مرتبط بشكل أساسي بالتعليم، وهي قضية نوليها أنا والملكة رانيا اهتماما عاليا، وهو أمر أعلم أنه يهم جلالة ملك هولندا وجلالة الملكة أيضاً. إذ نحرص على الاستثمار في الشباب حتى يمضوا للأمام، ومنحهم الفرص لتطوير ذاتهم.

وقال جلالته إن جزءا من التحدي الذي نواجهه هو أن عددا كبيرا من الأردنيين يتوجهون للخارج عندما ينهون دراستهم، لأن فرص العمل تتوفر هناك. فالتحدي الذي نواجهه هو كيف نعيد هذه المواهب إلى الأردن، البعض منهم يعود للأردن، لكن الأمر يتطلب منا أن نوفر لهم الفرص. وأنا متأكد من أن هذا التحدي تواجهه كل الدول ألا وهو كيف يمكن توفير الفرص للشباب في بلدانهم.

وأضاف جلالته أن ذهاب الشباب للخارج يمكنهم من الاطلاع على أفضل الممارسات العالمية والعودة إلى وطنهم، لكن يجب أن يتم توفير الفرص لهم حتى يعودوا للأردن ويقوموا بتوظيف مهاراتهم في تطوير بلدهم.

وفي رد جلالة الملك على سؤال حول النموذج الأردني في مكافحة الإرهاب والتطرف وإمكانية تطبيقه في مناطق أخرى من العالم، قال جلالته إنها نقطة في غاية الأهمية، لأننا نتحدث عن سوريا والعراق والتحديات التي أمامنا، وسأشارك وجلالة الملك ويليام الكسندر في اجتماع آخر عن كيفية التعامل مع هذه القضية.

وبين جلالته أن التحدي الذي واجهناه في الماضي كان يتعلق ببعض السياسات الغربية في التعامل مع هذه المسألة، فعلى سبيل المثال كانت هذه السياسات قائمة على أساس "لنركز هذا العام على سوريا، والعام القادم على العراق، ولنفكر في ليبيا وبوكو حرام وحركة الشباب، ومن ثم ماذا عن الفلبين وأندونيسيا ودول البلقان"، مؤكدا جلالته أنه كان هناك حالة من عدم الترابط وعدم النظر لها من منظور نسميه الآن النهج الشمولي.

وقال جلالة الملك إننا في الأردن استحدثنا أسلوبا جديدا، يتثمل باجتماعات العقبة، حيث يجتمع ممثلون من بلدكم والنرويج وهولندا ودول أخرى كثيرة من مختلف أرجاء العالم لبحث وبشكل غير رسمي كيفية التعامل مع هذه المشكلة من ناحية عالمية.

وأشار جلالته إلى أن تحدي الإرهاب والتطرف سيستمر على الأقل لجيل قادم، ويجب أن نركز على التعليم والمنزل وكيف نغير عقليات منحرفة والتي تسبب لنا التحديات التي نواجهها اليوم.

وقال جلالته إن من الأمور الجيدة هنا، هي أننا نتحاور مع بعضنا البعض ونتعاون في مجالات السياسة الخارجية والأمنية والعسكرية، ونأمل أن يستمر هذا على المدى القصير، لكن في المدى المتوسط والطويل علينا العمل على كيفية مكافحة التطرف والتنسيق بين بعضنا البعض، لافتا إلى أن الأردن عقد اجتماعا لدول جنوب شرق آسيا لبحث الوقاية من الإرهاب.

وفيما يخص دول البلقان، بين جلالة الملك أنها شكلت مصدر اضطراب لأوروبا والعالم خلال الـ 100 عام الماضية، ونريد أن نضمن أن لا ينفجر الوضع هناك، وأن نحل المشاكل الآن ونتفادى تحديا عسكريا بعد عامين. هذه هي القضايا التي يتم مناقشتها من قبل المجتمع الدولي، مشيرا جلالته إلى أنه وفي غضون الشهرين القادمين ستبحث الدول الأوروبية ودول أخرى هذه القضية في البلقان.

وأضاف جلالة الملك أن الجانب الإيجابي في كل هذا هو الحديث والتواصل بين كل هذه الأطراف.  وعند التعامل مع هذا النوع من القضايا، فإن الأطراف المعنية والمؤثرة من مختلف الدول مهتمة بالتطورات في عدة مناطق لافتا جلالته إلى أن المشاركة والقدرة على المساعدة، سيكون لها أثر في الدفع بالاتجاه الصحيح.

وقال جلالته "أنا سعيد بأن أرى الناس ينظرون إلى هذا التحدي من ناحية عالمية، وأنا فخور بالدور المهم الذي يقوم به الأردن بهذا الخصوص".

وردا على سؤال حول رؤية جلالته إزاء ما هو المطلوب عمله لمواجهة المشاعر المعادية للمهاجرين في أوروبا والعالم، وانتشار خطاب الكراهية، قال جلالته لقد واجهنا هذه المشكلة بشكل عملي منذ عدة سنوات في بلدنا، عندما شهد بلدنا موجات لجوء بأعداد كبيرة، وفي حينه، كان الأردنيون يقولون هذا يكفي، ففي ذلك الوقت شكل اللاجئون 10 بالمائة من سكاننا، واليوم أصبحوا يشكلون 20 بالمائة، وذلك إذا أخذنا بالاعتبار السوريين فقط، ولكن إذا أضفنا الليبيين واليمنيين والعراقيين وإلى حد ما الفلسطينيين فإن اللاجئين يشكلون الآن 40 بالمائة من السكان، وهذا استنزاف كبير.

وأضاف جلالته أننا نتفاجأ عندما نسمع أن بعض الدول يصيبها هلع كبير عندما يعبر حدودها الآلاف، ومن التحديات أن اللاجئين يتمركزون بكثرة في شمال الأردن، وهذه مشكلة كبيرة لأنه علينا أن نتعامل معهم (اللاجئين) من ناحية الرعاية الصحية وشمولهم بالتعليم في مدارسنا التي أصبح معظمها يعمل بنظام الفترتين.

ولفت جلالته إلى أن لدينا أيضا أعداد كبيرة من العمال المصريين المخالفين يعملون في بلدنا وعندما نفكر بتسفيرهم إلى بلادهم فإن ذلك ليس من الصواب عمله، لأنه سيسبب مشكلة كبيرة لمصر، فالعمال المصريون المخالفين يشتكون حالياً من اللاجئين السوريين الذين ينافسونهم في فرص العمل. لكن في نهاية المطاف، أين هم الأردنيون من كل هذا؟ لذلك فهي قضية علينا التعامل معها، وعلينا في النهاية القيام بما هو صواب.

وقال جلالة الملك عندما جاء لي بعض الناس قبل نحو عامين وقالوا قمنا بما هو كافٍ. ويجب أن نغلق الحدود، قلت لهم حسنا ولكن كيف سنقوم بذلك؟ إذا جاءت إمرأة إلى الحدود مع أطفالها، ماذا علينا أن نفعل؟ هل نطلق النار باتجاههم؟ هذا ما يقوم به الطرف الثاني من الحدود. لا نستطيع ذلك. يجب فتح الحدود، وهذا هو الصواب.

وتابع جلالته قائلا "لكن التحدي الذي نواجهه في الأردن أن الناس يأخذون ما نقوم به من الصواب على أنه أمر مُسلَم به. لكن اليوم شعبنا يعاني. ولذلك نحن نشعر مع الغضب الذي نراه في أماكن أخرى من العالم. وفي نهاية المطاف، فإن شعبنا سيقوم بما هو صواب. ونحن ندعو المجتمع الدولي أن يتذكر ما نقوم به وأن يمدوا لنا يد العون والمساعدة، لأن الأردن دائما يفعل الصواب".

وردا على سؤال حول الدور المطلوب من لاهاي بصفتها عاصمة دولية للسلم والعدالة، تجاه تحقيق السلام والوئام العالميين، دعا جلالة الملك الحضور والقائمين على برنامج لاهاي الدولي إلى الاستمرار في ما يبذلونه من جهود للتقريب بين الثقافات والدول، لافتا جلالته إلى أهمية البرنامج في ظل العالم الصغير والمترابط الذي نعيش فيه.

وأشار جلالته إلى أن ما يحدث في أحد أطراف العالم يؤثر على الجانب المقابل، والطريقة الوحيدة للتعامل مع هذا الواقع هي أن نتعرف إلى بعضنا وأن نتفهم الآخرين، وأن نؤمن بالتعددية .

وأضاف جلالته أنه مهما اختلفت أدياننا وأعراقنا وأصولنا، فإن شبابنا يريدون الفرصة في حياة أفضل، وأن يكونوا سعداء، وأن يعيشوا بأمان. وهذا هو  حال 99.9 بالمائة من سكان العالم، ولكن، للأسف، هناك أشخاص متطرفون من عدة شعوب لديهم رأي آخر.

وتابع جلالته قائلا إن جزءا من المشكلة أننا كثيرا ما نشكل الأغلبية الصامتة، مما يفسح المجال للمجموعات الهامشية المتطرفة من التأثير على البعض، وفي بعض الأحيان، ينقاد البعض الأخر وراء أصحاب الفكر الشعبوي.

وأضاف جلالته أنه علينا جميعا أن نقف في وجه الخطأ ونمنعه، وأعتقد أن الوقت قد حان للعالم أن يقول لا لمن يدعون إلى الكراهية وإلى نبذ الآخر، ليؤكد لهم أن هذه التصرفات مرفوضة.

وكانت عمدة لاهاي، بولين كريكي، ألقت كلمة رحبت بها بجلالة الملك عبدالله الثاني وجلالة الملكة رانيا العبدالله.

وتحدثت عن الأوضاع وحالة عدم الاستقرار التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والتي دفعت أعدادا كبيرة من الناس لترك بلادهم، مشيدة بما يقدمه الأردن  والشعب الأردني من تعاطف وكرم تجاه اللاجئين، رغم الضغوطات التي سببتها أزمة اللجوء على الاقتصاد الأردني وموارده.

وأشارت إلى ضرورة تحمل الجميع مسؤولياتهم تجاه اللاجئين، وتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، لافتة إلى ما تقوم به مدينة لاهاي من جهود تجاه اللاجئين، ومن أجل تعزيز التسامح والعيش المشترك.